Duration 3:51

مَـقال بعنوان « مثَالب الفُضُول » للدكتور «أيمن بدر كريّم.» GB

Published 6 Mar 2023

معظم الناس لا يهتمُّون بك رعايةً وعنايةً أو لطفاً، إنما يُشجعهم الفُضول ويدفعهم الملل، وتُحرّكهم المصلحة.. لا أكثر!.. إذ يبدو أنّ هناك فائضٌ كبير من فراغ العقل، يشجّع كثيرين على التطفّل على حياة الآخرين دون اعتبارات إنسانية أو أخلاقية. لذلك، لا تعوّل كثيرا على كلام الناس معك ووعودهم لك، فـمُعظم كلامِهم فضولٌ وثرثرة آنيّة، ومعظم وعودِهم مجرّد "فضّ مجالس!". - من الطبيعي أن يشعر بعضُ الناس بالاختناق من الناس، فالعَلاقات الشخصيّة في معظمها تلجُ من باب الفضول وحبّ الاستطلاع المَرضي، وهي مبنيةٌ على التدخّل في شؤون الآخرين، والحكمِ عليهم، وانتقادِهم، واستفزازِهم، واستنزافِ طاقاتهم، وتأطيرِ علاقاتهم بالله، بل والتدخّل في حكم الله على عباده.. وهو أقبح أنواع التطفّل. فلا غرابة أن يُصبح الاعتزال الاجتماعي اختياراً شخصياً مقبولاً، ونمطاً سلوكيّا مرغوباً أكثر من أيّ وقت مضى. - مُعظم الأخبار والأحداث المُتدَاولة ليست عاجلة.. بل ليست مُهمّة لك في الأساس، لكنه الخوفُ غير المنطقي من فواتِ أيّ خبرٍ وحدثٍ مهما كان فارغاً، والفُضولُ الذي يُثير الرغبة في المعرفة السّطحية، والهوسِ بالمعلومات التافهة، التي تُفسد القدرة الذهنيةَ على تحصيل المعرفةِ المُفيدةِ والحقائقِ العلمية والآراءِ الفلسفية. - لا يُمكن لأحدٍ أن يفرض عليك العِلم فرضاً.. كلُّ ما يُمكنه فعله أن يُثير عاطفة الفضول لديك، ويقدح الشكّ في نفسك.. المعرفةُ الحقّة تأتي من الدّاخل، حيث التأمّل والتفكير النقدي والشغف للتعلّم، وهو ما يُسمّى (الفضول العلمي). يقول الدكتور (أحمد خالد توفيق): "بدلاً من التطفّل على خصوصيّاتِ الآخرين، حاول أن تتطفّل على المناطق المُظلمة في عقلك؛ تلك البُقع التي لم تحظَ بنعمةِ الفَهم حتى الآن". - ومع انتشارِ التقنيةِ الحديثة والهواتف الذكيّة، واتساع دائرةِ التواصل الاجتماعي عبر شبكةٍ معقّدة من المنصّات الإعلامية والإعلانية، وفي خضمّ هيستيريا نشر المَقاطع التصويريةِ ومتابعتها يوميّا بشغفٍ غير صحّي، ازدادَ سلوك الفُضول عُمقاً، والفراغُ العاطفي حدّة، والخواءُ المعرفي انتشاراً، وأصبحت التسليةُ بالاطلاع على خصوصيّات الآخرين الشُّغلَ الشاغل لكثيرٍ من غير الأسوياءِ فكريّا وثقافيّا. يقول (أوسكار وايلد): "تسعون في المئة من حِكمة الانسان، تكمن في قُدرته على منعِ نفسه من التدخّل في شؤونِ غيره".

Category

Show more

Comments - 0